صوت أُنثوي يندفع عبر الأثير :

صوت أُنثوي يندفع عبر الأثير :
– دكتور (أحمد )..؟!!
أجيب في رتابة ، شأن من اعتاد المكالمات الغريبة ، منذ وضعي لرقم هاتفي علي كارت الصيدلية :
– نعم يا أفندم.
تقول في لهفة :
– منذ ساعات وأنا أبحث عن أحد يستطيع الغيار علي جرح لوالدي..وأتيت إلي الصيدلية عندك فأخبروني أن لديكم هذه الخدمة.
أجيب في هدوء :
– نعم يا أفندم ، عندي شاب ممتاز قادر علي التغيير علي الجروح.
تتنحنح في حرج قائلة :
– الجرح غائر جدا ، وبه صديد.
أجيب بنفس الهدوء :
– اطمئني ؛ الفتي عمل في مستشفي من قبل ، وقادر علي التعامل مع أي جرح ، مهما بدا عسيرا.
تهتف في تردد :
– لكن ثمة أمر ، أود أن أخبرك به..!
تفجر في أعماقي ألف سؤال وأنا أسأل محاولا إخفاء فضولي :
– وما هو..؟!!
تقول في ارتباك :
– أنا مسيحية..!!
وكان الجواب مفاجئا..
للغاية..!
* * *
لا أدري لماذا تفجرت ينابيع الشفقة في داخلي..
شفقة حقيقية..
ألهذا الحد بلغ سوء تعاملنا مع غير المسلمين ، إلي الدرجة التي تضطر معها تلك المرأة للكشف عن دينها ؛ تفاديا لحدوث حرج أو صدام..؟!
أعلم أن القرآن واضح جدا في هذه القضية..
“إن الدين عند الله الإسلام..”
“ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.”
وأعلم أن الخلاف في ذلك مفتعل ؛ لأن هذه النصوص تندرج تحت ما يسميه العلماء ( نصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت).
القضية واضحة تماما..
لكن في الوقت ذاته ، القرآن – نفسه – أوجب حسن المعاملة لهم ، ماداموا ليسوا محاربين.
أليس في القرآن: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”.. ؟
أفيقوا يا سادة..
لا تشوهوا صورة الدين بمفاهيم مغلوطة حول الإسلام ..
استنفر كلامها الفارس في أعماقي ..
قلت لها في قوة:
– لا تقلقي ياأفندم ؛ هذا لن يغير من قراري شيئا ألبتة ، لكن ماالدافع الذي حملك علي قولك السابق..؟
قالت في ضيق:
– لقد أتينا بطبيب ، وعندما أتي إلي مدخل البيت ، أبَي الدخول فَورَ أن عرف هويتنا..
قلت في سرعة:
– أؤكد لك ياأفندم أن هذا الطبيب لا يمثل إلا نفسه ، وفعله هذا لا يمتُّ للدين الصحيح بصلة ، سأرسل لك هذا الشاب في أقصي سرعة.
وأغلقتُ الهاتف ، والنيران تشتعل في أعماقي..
نيران الغضب..
* * *
أتاني صوتها عبر الهاتف في اليوم التالي ، وهي تقول في فرح وبِشر:
– الله يبارك فيكم ، هذا الشاب ماهر جدا ، لا أدري ماذا أقول لكم..؟
قلت لها في هدوء:
– لم نفعل إلا الواجب.
بعدها فقط هدأت نفسي ، واعتراني شعور الراحة والرضا ، بدا لي أن هذا هو أفضل رد لكي يبدِّد الأثر السىء ، الذي أحدثه ذلك الطبيب..
الجواب العملي الذي يجلِّي دين الإسلام كما أنزله الله ..
دين العدل..
والرحمة..
والتسامح..
(..مستوحاة من موقف حقيقي حدث معي ..).